المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية | مقالات

المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية

 

طلع البدر علينا  من ثنيات الوداع      وجب الشكر علينا ما دعا لله داع 
أيها المبعوث فينا جئت شرفت المدينه    جئت بالأمر المطاع  مرحبًا يا خير داع 
من هنا شق الهدى أكمامَه   وتهادى موكبًا في موكب 

 من هنا، من المدينة، التي شرفها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأصبحت أول عاصمة للإسلام والمسلمين في العالم.

كان اسمها يثرب، وبعد تشريفه لها - صلى الله عليه وسلم -، صار اسمها:المدينة المنورة، ومن أسمائها طيبة الطيبة.

تقع المدينة المنورة في الحجاز، على بعد حوالي 100 كم شرق البحر الأحمر، وتحف بها الجبال من ثلاث جهات، والجهة الرابعة الجنوبية النخيل، وتعرف ببلد النخيل.

ذكرها المؤرخون في التاريخ، منهم بطليموس، أنها واحة تقع في بلاد الحجاز بشبه الجزيرة العربية.

سكنها قديمًا العماليق والمعينيون، ثم وصل اليهود إليها من فلسطين، بعد أن دمر بُخْتنصر مدينة القدس.

وعلى إثر انهيار سد مأرب، نزحت عدة قبائل من مملكة سبأ في اليمن، ومن هذه القبائل؛ الأوس والخزرج، وقد أُعجبت القبيلتان بما في يثرب من أرض خصبة وينابيع كثيرة فاستقروا فيها مع وجود اليهود.

 ثم تحول الأوس والخزرج إلى عدوين لدودين واشتعلت بينهم الحروب الطاحنة، استمرت أكثر من مئة عام.

وجاء وفد من أهل يثرب إلى الحج، فتلقَّاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعرض عليهم الإسلام فأسلموا، وكانوا من الأوس والخزرج، وتعاهدوا على نصرته وحمايته.

لقد كان - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على تبليغ دعوة الله على الناس، متفانيًا في تبليغها، متلهفًا إلى من يؤمن بدعوته، ويحميه وينصره، فوجد ذلك في الأوس والخزرج، فأمر أصحابه بالهجرة إلى يثرب، ثم هاجر - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولما علم أهل يثرب بمقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - استقبلوه بالأناشيد:

وقبل دخوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، عرَّج على قُباءَ فبنى فيها مسجدًا، كان أول مسجد في الإسلام. ثم قام بعد ذلك ببناء المسجد النبوي وكان يعمل مع أصحابه بيديه الشريفتين، يتناول اللبِن حتى غبر صدره الشريف. وغدا المسجد النبوي نواة الدولة الإسلامية. نظر - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل المدينة، وفيها الأوس والخزرج، واليهود وقبائل شتى، فعمل على وحدة الصف وجمع الكلمة، فتصافى الأوس مع أبناء عمومتهم الخزرج، وانتهت الحروب بينهم التي استمرت بينهم طويلًا فحقنت الدماء ونشر عليهم السلام، ورفرف فوق الأمن، وأظلهم الحب والوئام وهم الذين آووا ونصروا.

ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، قائلًا لهم " تآخَوا في الله؛ أخَوين أخوين".فأصبح المسلمون كتلة واحدة. 

ودعا - صلى الله عليه وسلم - للمدينة فقال (اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وبارك لنا في مُدِّها وصاعها).

ثم نظر صلى الله وسلم إلى اليهود، فاعترف بكيانهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وكتب في ذلك كتابًا، سماء المؤرخون: الصحيفة، ومما جاء فيها، ألا ينصر ساكنُ المدينة من فعل شرًا ولا يؤويه. وعلى اليهود أن ينفقوا مع المؤمنين محاربين، ولا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن بينهم النصرَ على من داهم المدينة.

لقد أصبحت المدينة المنورة، عاصمة الدولة الإسلامية لها أرضها وحدودها، ولها جيشها الذي يدافع عنها، ولها قانونها ونظامها وتشريعها، ولها حراسها الذين يسهرون على أمنها وسلامتها واستقرارها، وأصبح الرسول - صلى الله عليه وسلم - رئيسَها، وقائد جيشها، وإليه يرجع سكان المدينة كلهم في فض المنازعات فيما بينهم. وبهذا تكون المدينة قد انتقلت من عهد الصراع الدامي بين سكانها فيما بينهم من جهة، ثم فيما بينهم وبين القبائل المجاورة، وصارت المدينة ذات حضارة تعيش في جفون الأمن والأمان، والسلم والسلام.

ونشطت الحركة العلمية، انطلاقًا من مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي كان يتنزل عليه الوحي من الله تعالى بين الفينة والفينة، فيفيض المسجد بالنور الإلهي النازل من السماء إلى الأرض، وينتشر العلم في حلقات الذكر وأنوار التنزيل. مما يجعل المسجد مورد الظمآن للعلوم والتوجيه الإلهي، يقصده أهل المدينة زرافات ووحدانًا، ويؤمه المسلمون حول المدينة المنورة.

كما أصبحت المدينة مركز النشاط المتفجر حياة وحيوية، وبناء؛ بناء النفوس وبناء الوطن، في المسجد حلقات العلم والتعليم، وفي ساحة الحياة، نشطت التجارة وقد شجع - صلى الله عليه وسلم - على العمل وترْك الكسل وشجع على عزة النفس.

وبعد أن توطدت أركان الدولة الإسلامية في المدينة المنورة في السنة الأولى، أنزل الله تعالى قوله

﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39].


في السنة الثانية للهجرة، وقعت معركة بدر، أولى غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن أهمها، قال تعالى

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123]

وتوالت الحروب بين الحق والباطل في غزوة أحد والخندق وما تلاهما من غزوات وحروب.

وكانت المدينة المنورة، منطلق جميع غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما تلاها من فتوح.

وفي السنة الثامنة، عاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى بلده الأمين مكة المكرمة فاتحًا، ولم يبق فيها؛ إنه الوفاء بالكلمة، لقد أعطى الأنصار عهدًا ألا يتركهم إذا انتصر، وهاهو ذا ينتصر. لقد أحب الأنصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - منذ رأوه فبايعوه، فقالوا له: يا رسول الله، لعلك إذا نصرك الله على عدوك أن تلحق بقومك وتتركنا، فتبسم - صلى الله عليه وسلم - قائلًا لهم مطمئنًا (أنا منكم وأنتم مني). 

وقد أكد هذا المعنى بعد غزوة حنين: فقال في خطبة خصها الأنصار (والذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعبًا وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأ نصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار).

وبعد أن فتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، جاءت الوفود من الجزيرة العربية كلها في السنة التاسعة، إلى المدينة المنورة تعلن إسلامها، وقد أنزل الله تعالى قوله: 

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3].

 لقد أدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهمة تبليغ الدعوة خير ما يؤديها نبي ورسول، وبلغ عن الله دينه الذي أكمله تعالى، فجزى الله تبارك وتعالى عنا نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، خير ما جازى به نبيًا عن أمته، لقد كانت المدينة المنورة حافلة بأنوار الوحي، ينزل من السماء إليها، من عند الله تعالى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - في طيبة الطيبة في بيته أو مسجده، ينزل بالأنوار والتوجيه والتأييد؛ المدينة التي استنارت بالوحي طوال عشر سنين، ينقطع عنها الوحي، ويلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه راضيًا مرضيًا، فلله قلوب الصحابة كيف تحملت هذه الصدمة؟ لقد زلزل الصحابة رضوان الله عليهم للفجيعة زلزالًا شديدًا، حتى أعلن الصديق رضي الله عنه: من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله؛ فإن الله حي لا يموت.

وظلت المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية، وكفاها الله تعالى بقدرته، شر المرتدين والمتربصين بها، وتابع الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم مسيرة البناء، بناء الأمة وبناء الحضارة من المدينة المنورة؛ فهي عاصمة الدولة، ومركز الحكم، ومنبع العلم، وفيها مركز الخلافة ومنها انطلاق الجيوش وإرسال الولاة والقضاة إلى الأمصار، وقد امتدت الدولة إلى الشام بعد اليرموك وإلى أقصى بلاد فارس بعد القادسية، وانفتحت الدنيا على المسلمين، تجبى إلى المدينة الأموال وتوزع على المسلمين فترفع من مستوى معيشتهم، وتعزز قوتهم، مساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانية.

المسجد النبوي الشريف:

لقد كان للمسجد النبوي الشريف دور في تيسير حركة التقدم في الدولة الإسلامية؛ فهو مكان عبادة، ومكان لقاء بين المسلمين، يتفقد بعضهم بعضًا، مما يزيد روابط الأخوة والمحبة فيما بينهم وكان بمثابة المعهد والجامعة للعلوم الشرعية لبناء العقيدة الصحيحة الصافية، عقيدة التوحيد الخالص. كما كان مركز اجتماع القادة العسكريين، و مركز القضاء والفتيا وفضِّ المنازعات، ومركز استقبال الوفود، وكان الناديَ الأدبي الذي تلقى فيه الخطب والأشعار.

كان المسجد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ضاق بالمصلين وطلاب الهدى والعلم، والوفود يضربون إليه آباط الإبل من كل حدب وصوب، فوسع - صلى الله عليه وسلم - مسجده الشريف.

وبعد الفتوحات ضاق المسجد أكثر فتمت توسعته على يد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناحية الجنوبية المتجهة إلى القبلة حوالي عشرة أذرع ومن الغرب بنحو عشرين ذراعًا وزاد في الشمال نحو ثلاثين ذراعًا، فصار طول المسجد 140 ذراعًا وعرضه 120 ذراعًا، وحينما ضاق المسجد أكثر، قام الخليفة عثمان رضي الله عنه بتوسعة المسجد عام 29هـ فزاده من ثلاث جهات، القبلة زاد فيها عشرة أذرع، والشمال زاد 20 ذراعًا، والغرب زاد 10 أذرع. 

وبقي المسجد على ما هو عليه، حتى جاء الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، ورأى ضرورة توسعته، فأمر واليَه عمر بنَ عبد العزيز رحمه الله ببناء المسجد وتوسعته، فأدخل حجرات أمهات المؤمنين في المسجد، وجعل له أربع مآذن زاد فيه من الشمال عشرة أذرع، ومن الغرب عشرين ذراعًا، ومن الشرق ثلاثين ذراعًا.

ثم جاء الخليفة العباسي المهدي، فزاد فيه من الشمال فقط سنة 161 مئة ذراع. وفي عام 654 احترق المسجد النبوي فقام الخليفة العباسي المستعصم بالله في عام 655 وبدأ بعمارة المسجد النبوي الشريف إلا أن هذه العمارة لم تتم بسبب التتار الذين قدموا إلى بغداد وأسقطوا الخلافة وقتلوا الخليفة، ثم جاء السلطان بيبرس من مصر فكمل بناءه.

وفي شهر رمضان من عام 886 احترق المسجد النبوي الحريق الثاني، فأمر الأشرف قايتباي بتوسعته من الجانب الشرقي. 

وفي عام 1265 قام السلطان عبد المجيد بعمارته لكامل المسجد النبوي.إلى أن جاء العهد السعودي الزاهر.

وتحت سنابك حصان الملك عبدالعزيز، كان العشب ينبت، ومع مسيرته الإيمانية، كانت تخضر الصحراء.

وأطلت شمس الحضارة على ربوع هذه البلاد مع رفرفة الراية الخضراء، وعليها هذا الشعار (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

فرفعت الأمة رأسها إلى العلاء، واشرأبت الأنظار إلى السماء، إلى الضياء، إلى البناء.

وقد شهدت المملكة مع الفجر الصادق، فجرًا جديدًا؛ حيث تفجر البترول، ليكون سلاحًا ضد الفقر والفاقة، وليكون وسيلة للرفاه والنماء، وليكون البرج العاليَ لحضارة أمة تستيقظ على الهدى والعطاء والعزة والمجد والكرامة.

والمدينة المنورة محل اهتمام الملك عبد العزيز، وفيها مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي لا تشد الرحال إلا إليه مع مسجدين آخرين، كما في الحديث الشريف: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا)، وقد ضاق على كبر مساحته بالمصلين. 

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما دونه من الساجد إلا المسجد الحرام) كان البناء حول الحرم حاجزًا دون استيعاب هذه الجموع من المصلين، فأمر الملك عبد العزيزطيب الله ثراه بالتوسعة التي تستوعب هذه الجموع، ليؤدوا صلاتهم خاشعين مرتاحين مطمئنين فعينت الدولة البيوت التي ستهدم وتضم مساحتها إلى الحرم، ويكاد أصحاب هذه العمارات يتبرعون بعماراتهم تبرعًا لتضم إلى الحرم ولكن الدولة عوضتهم قيمتها تعويضًا كاملًا، هذه الحميمية بين الملك وشعبه، تجلت فيه أريحية القائد، ومحبة شعبه له؛ يدًا بيد في طريق البناء.

وتمت التوسعة، بمساحة تقدر بحوالي 6000 مترًا مربعًا، يضاف إليها المساحة السابقة التي كانت على زمن السلطان العثماني عبد المجيد، فأصبحت مساحة المسجد ضعف هذه المساحة وتدفقت جموع المصلين، وغص المسجد على رحابته بهم.

وسار أبناء الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، على خطى أبيهم القائد الباني، فأمر الملك سعود يرحمه الله، بتوسعة الحرم فأصبحت مساحته 16000 مترًا مربعًا. 

وأقيمت هذه العمارة من الخرسانة المسلحة، من أعمدة تحمل عقودًا مدببة، وعمل للأعمدة المستديرة تيجان من البرونز، بزخارف نباتية، وكسيت الأعمدة بالموزاييك، وغطيت قواعدها بالرخام، وأقيمت مئذنتان من الجهة الشمالية، ارتفاع الواحدة 70 مترًا وطول الجدار الغربي 128 مترًا والشمالية 91 مترًا.

ولم يمض وقت طويل على هذه التوسعة، حتى ضاق المسجد بالمصلين، فقامت توسعته الثالثة، على يد الملك فيصل يرحمه الله وجعل عليها مظلات لحماية المصلين عن الشمس، محاطة بسور وتم تبليطها بالرخام، وإنارتها وتهويتها، وتبلغ المساحة الكلية للمسجد وما يحيط به، أكثر من 30000 مترًا مربعًا.

وزادت هذه المساحة في عهد الملك خالد يرحمه الله، إذ تمت التوسعة غرب المسجد.

وكأن الملوك من أبناء عبد العزيز كانوا يتنافسون في خدمة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورعايته، فعقب كل توسعة، تعقبها موجة من المسلمين، تأتي إلى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لزيارة مسجده والصلاة فيه، والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، فكان المسجد على رحابته يضيق بهم.

وقام الملك فهد بن عبد العزيز بتوسعة لم يشهد مثلها توسعة في عهوده كلها، حيث أضاف في هذه التوسعة أكثر من 82000 ألف متر مربع كانت تحيط بالمسجد عمارات ودورًا وأراضي خالية، تمت إضافتها إلى مساحة الحرم وما يحيط به، توسعة تمت من جهاته الثلاث؛ الشمالية والشرقية والغربية، حتى أصبحت مساحته مع الساحات المحيطة به حوالي 333000 متر مربع، وهذه المساحة، تعادل تقريبًا مساحة المدينة المنورة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم.

أما المنارات الجديدة؛ فهي ست منارات، يبلغ ارتفاع الواحدة منها مع الهلال 104 أمتار، كما توجد منارتان عند مدخل باب الملك فهد يرحمه الله، تعلو كلَّ منارة هلالٌ برونزي مطلي بالذهب وزن كل هلال، أربعة أطنان ونصف الطن. وقد اكتمل بناء هذا المشروع في التوسعة عام 1414هـ.

المسجد النبوي الشريف مكان أمن وأمان، وقد صار أكثر راحة للمصلين والزوار والمسلمين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يزدان بعمارته بالمصلين المؤمنين يعمرونه في كل الأوقات كما قال الله تعالى

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 18]

وغدا المسجد مزدانًا بالأنوار، والجو المنعش بما فيه من تكييف للهواء مع ازدحام المصلين، فيبقى المصلي نشيطًا لا يمل من العبادة، وغدا مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مكان هداية وعلم بما تلقى فيه من دروس تستنير بها النفوس المؤمنة، تلك الدروس تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، فيخرج المستمع من المسجد وقد أخذ بحظ وافر من العلم والهدى.

وفي المسجد النبوي الشريف معالم من أبرزها منبره - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة)، الروضة، موضع في المسجد النبوي، واقع بين المنبر، وحجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد فرشت بالسجاد الأخضر، تمييزًا لها عن بقية ألوان سجاد الحرم، فترى هذا المكان متميزًا بازدحامه وترى كثيرًا من الواردين إلى هذا المكان وقوفًا، ينتظرون فرجة تسع مصليًا يسارع إلى الصلاة فيها، فمن قائم وراكع، ومن ساجد تسمع منه النشيج، ومن رافع كفيه يدعو الله والدموع تنهمر من عينيه، يا لها من لحظات، ربما قطع هذا الزائر آلاف الأميال ليحظى بها.

في الروضة الشريفة، من كل لون وعرق وجنس ولغة، كلٌّ يتلو القرآن الكريم بلغته، ويدعو بلغته، في الروضة الشريفة تتجلى الرابطة الإسلامية في أجلى معانيها، فلا فرق بين أبيضَ وأسود، وغني وفقير وعربي وعجمي، تجمعهم رابطة واحدة، فهم إخوة في الله، ينظر بعضهم إلى بعض بعين المحبة والاحترام.

وفي المسجد من الجهة الشمالية للحجرة تقع الصُّفَّة.

وكان هذا المكان قد أُعدَّ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن لا مأوى له، ولا أهل، وإليه ينسب أهل الصفة من الصحابة، ومن أشهرهم أبو هريرة رضي الله عنه.

وكان جل عمل أهل الصفة، تعلم القرآن الكريم والعلوم الشرعية، فإذا جاءت غزوة خرجوا للجهاد فيها.

وكان مع أبي هريرة ما يزيد على 300، ثم صار كل واحد منهم واليًا أو أميرًا. 

وأبرز معالم المسجد النبوي الشريف، الحجرة النبوية الشريفة وفيها قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويتلوه قبر أبي بكر الصديق ثم قبر عمر - رضي الله عنهما -، فيمر الزائر ملوحًا بيده قائلًا: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر. ومن معالم الحرم النبوي الشريف، القبة الخضراء التي بنيت على الحجرة النبوية في عهد الملك قلاوون، وكانت مربعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها.

وفي عهد السلطان قايتباي بعد الحريق الثاني عام 886هـ أمر ببنائها بأحجار منحوتة من الحجارة السوداء، وجعل ارتفاعها حوالي 9 أمتار، ثم بنى فوقها قبة أخرى تحويها، وسارع معظم أهل المدينة المنورة في البناء تبركًا بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم أحفاد المهاجرين والأنصار، ولديهم الحس الإيماني المتميز بالحب العميق لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكما أن أجدادهم آووا ونصروا وبنوا هذا المسجد، فكذلك هم اليوم يشاركون في بنائه، فالمسجد، هم أهله وعماره و قلوبهم ساكنة فيه، إذا خرجوا منه، حتى يعودوا إليه.

أما الشباك الذي في القبة، فهو يوازي الشباك الذي في القبة الداخلية، ويقع فوق القبر الشريف، وكل خدم الحرم يفتحونه يوم صلاة الاستسقاء. وفي المسجد النبوي أساطين أو أعمدة أو سواري، منها ثمان دخلت التاريخ، فقد كان لكل منها قصة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهر هذه الأساطين، الأسطوانة المخلقة أو المطيبة المعطرة، وهي علَم على مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أحب مواضع التنفل للرسول - صلى الله عليه وسلم.

وأسطوانة التوبة، وهي التي تعرف بأسطوانة أبي لبابة، لأنه ربط بها نفسه بضع عشرة ليلة، ثم حله النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نزلت توبة الله عليه في القرآن الكريم.

وهذا مسجد قباء، أول مسجد بني في الإسلام، عندما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ويبعد عن المسجد النبوي حوالي خمسة كيلو مترات، وفيه بئر تنسب إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وكان في هذا المسجد مبرك الناقة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (صلاة في مسجد قباء كعمرة). 

أسسه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أول من وضع بيديه الشريفتين حجرًا في قبلته، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى جانب حجر أبي بكر، ثم أخذ الناس في البنيان.

ومن معالم المدينة المنورة، مسجد القبلتين، فقد كانت قبلة المسلمين إلى بيت المقدس لما كانوا في مكة، ثم تحولت القبلة إلى الكعبة بعد سنة ونصف من الهجرة، ففي مسجد القبلتين محرابان محراب إلى الشام، ومحراب إلى الكعبة المشرفة.

ومن معالم المدينة المنورة، مسجد الغمامة، ومسجد أحد يقع على سفح جبل أحد، ومسجد الفتح غربي جبل سلع، والمساجد السبعة، على طرف الخندق، ومسجد الجمعة، وفيه صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول جمعة.

ومن معالم المدينة المنورة، جبل أحد، أشهر الجبال.وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أحد جبل يحبنا ونحبه).

يقع هذا الجبل، شمال المدينة المنورة، ويبعد عن الحرم النبوي 4كم، يقرب محيطه من 16 كم، يمتد من الشرق إلى الغرب، ويوجد في جبل أحد غار صغير يقع شمال المسجد الذي استراح مكانه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد انتهاء معركة أحد.

وقرب أحد، جبل الرماة أو جبل عينين، وهو جبل صغير، يقع بجانب جبل أحد، شمال المسجد النبوي على بعد نحو ثلاثة كيلو مترات، وهو الجبل الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرماة أن يتمركزوا على ظهره، في غزوة أحد ليحموا ظهور المسلمين من تسلل المشركين في المعركة.

ومن المعالم المهمة في المدينة المنورة، مقبرة شهداء أحد تقع شمال المسجد النبوي على بعد خمسة كيلو مترات منه، سميت بهذا الاسم، لأنها تضم جثمان سبعين من الصحابة الذين استشهدوا في غزوة أحد، ومنهم عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقع في قاعدة جبل أحد.

ومن معالم المدينة بقيع الغرقد، وهي مقبرة أهل المدينة، يقع في جوار الحرم، وهي مدفن أهل المدينة منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم.

أما الثقافة؛ فالمدينة المنورة أم الثقافة الإسلامية منذ خمسة عشر قرنًا من الزمان.

لقد انتقل الوحي من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة مع الهجرة النبوية الشريفة، وبعد غزوة بدر كان من يعرف القراءة والكتابة من الأسرى يفدي نفسه بتعليمه عشرة من أبناء المسلمين، واستمرت المدينة المنورة مركز إشعاع ثقافي عبر القرون.

إن هذا الرصيد الفكري الحضاري الثقافي، قد تبرعم وأزهر وأثمر في العهد السعودي الزاهر، وتطور تطورًا قفزت فيه المدينة في هذا الجانب قفزات لا تجارى.

هذا إنسان يبني عمارة، وهذا أستاذ يبني عقولًا، وهذا العالم يصوغ فكرة، وذاك الشاعر يصوغ وجدانًا، وهذا الفنان يرسم لوحة فيها رؤية مستقبلية، لوحة شروق الشمس بيوم مستنير جميل واحة نخيل رمز العطاء الدائم.

هذا المهندس ينشئ التقدم في العالم الخارجي، وهذا المثقف ينشئ بثقافته تقدمًا في داخل النفس الإنسانية.

هذا الأديب نال جائزة الدولة التقديرية، وهذا تحفيز للجيل الناشئ أن يضاعف من مهاراته وفنه وثقافته، وهو يسير في الطريق، المجدُّ يسير سيرًا والمحب يطير طيرًا.

النادي الأدبي ثمرة من ثمار الرعاية السعودية في المدينة المنورة في عهدها الزاهر، هذه المحاضرة تصوغ الفكر، وهذه الندوة الأدبية تعنى بالحوار، وهذه الأمسية الشعرية تصوغ الوجدان أو أنها تشارك في صياغة العاطفة وتغذي الإحساس الوجداني الذي هو منبع الجمال.

ومع النادي الأدبي الصالونات الأدبية الأهلية، أدباء دفعتهم الأريحية أن يشاركوا في بناء الصرح الثقافي في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتحوا قلوبهم وبيوتهم لعشاق الحرف المضيء والكلمة الطيبة الشفافة المجنحة، روادها أعلام الفكر والأدب، هذه المنتديات مشاعل نور ي دروب الثقافة، تنير لها الطريق في تطورها وتقدمها.

والصحف التي تصدر في المدينة المنورة تنير آفاقًا من الثقافة المعرفية، في شتى العلوم والفنون والآداب وسائر مرافق الحية العقلية والنقلية.

أما الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فهي مركز إشعاع على العالم، فطلابها من المملكة العربية السعودية، وبما توفره من مقاعد تمنحها لكل دول العالم الإسلامي، يدرسون فيها من أقصى المعمورة إلى أقصاها، هذا طالب من آسيا، من أندنوسيا من الهند من باكستان، من أذربيجان من أوزبكستان.

وذاك من أوربا من البوسنة والهرسك أو من من دول البلقان.

وآخرون من أفريقيا، وما أكثرهم، ينهلون من معين المدينة المنورة الصافي، ويعودون إلى بلادهم دعاة علم ونور وخير وحب وسلام.

 

مواد متعلقة

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك كل جديد لدينا