الألعاب الشعبية بالمدينة المنورة | مقالات

الألعاب الشَّعبية بالمدينة المنورة

المدينة المنورة واحدة من مدن الحجاز، أو مدن المنطقة الغربيَّة عمومًا، وهذا الجانب من هذه المملكة السعيدة تكاد تكون الألعاب الشَّعبيَّة به واحدة عمومًا، وهنا نستعرض بعض تلك الألعاب باختصار شديد، وهي بالطبع تمارَس في أوقات الأفراح؛ كحفلات الزفاف، والأعياد، وما شابهها، ومن هذا المنطلق ستجد أنَّ النَّقل تم من المراجع حرفيًّا إلا ما ندر.

1- الزير:

وهذا الزير عبارة عن نصف برميل، أو "زير من الفخَّار" تغطَّى فوَّهته بجلد جَمَل مدبوغ ومعتنى به، ثم يترك ذلك الجلد حتى يجف، فإذا ضرب عليه بعد جفافه بعصا، أو ما أشبهها أعطى صوتًا مدويًا يسمع من بعيد، وفي فن "الزير" هذا يتصدَّر ضارب الزير المجلس أو مكان ممارسة اللعب، ويبدأ في الضَّرب عليه حسب اللون الذي يرغبه اللاَّعبون؛ لأنَّ لكل لون من ألوان اللعب على الزير ضربًا خاصًّا ووقعًا معينًا، فهناك من ألعاب الزير هذا نوع يسمونه "زيد"، وهو السائد في المدينة وما حولها من الأودية والقرى؛ كوادي الفرع، ووادي الصفراء، وهذا اللون له عشَّاقه والعارفون به، حيث لا يستطيع غير العارف به وبحركات لعبه الوقوف فيه ولا السير مع ممارسي هذا اللون الشَّعبي الجميل.

ولـ "زيد" هذا تفريعات وقوانين معيَّنة وبحور شعرية خاصَّة، ويجري اللعب بين صفَّين إذ يقف اللاَّعبون في صفَّين متقابلين وقوفًا، ولكل صف "رُبان" - كما يسمونه - هو العارف بالتَّرانيم والأصول لهذه اللعبة، وكانت تستخدم فيها "السيوف"، و"البنادق" التي تطلق في الهواء جماعات ووحدانًا، وهذا اللون من اللعب من لون لعبة الحرب، خاصَّة لدى القبائل الساكنة في المدينة، وما حولها؛ كوادي الصفراء، ووادي الفرع، ورابغ، وما جاورها، حيث اعتادوا قديمًا ضرب "الزير" ليسمعه القاصي والداني عندما تحدق المصاعب، ويداهم الخطر، وصار "فلكلورًا" شعبيًّا محببًا في المناسبات الجميلة.

ومن لعبة الزير أيضًا هناك لون آخر يسمى "الرديح"، وهذا شبيه بلعبة "زيد" إلا أن "الزير" لا يستخدم وحده فيها، بل يصاحبه مجموعة من "الطِّيران"، ومفردها "طار" - اسم لجلد سميك مغطًّى على أحد وجهيه دائرة من الخشب - كما أنَّ لعبة "الرديح" هذه ليستْ بِها من الصعوبة كما هو الحال في "زيد"؛ إذ يستطيع أكثرُ الشَّباب الانضمامَ إلى ممارسة هذا اللعبة دون تقيُّد بنظام معقَّد، أو تقنين خاص، وللرديح أنواع وألوان كثيرة لا مَجال لذكرها هنا.

ولعبة "زيد" بأنواعِها وألوانِها وكذلك "الرديح" بكسر الدال وتسكين الياء لا تزال تمارس بأشكالها وألوانها وتفريعاتها في الوقت الحاضر في مختلف المناسبات[1].

ومن الألعاب الرياضية التي كان يزاولها السكان في تلك الفترة لعبة:

2- الكَبَت:

وكان اللاَّعبون لها ينقسمون إلى فريقينِ، ويوضع خط فاصل في نصف مساحة مكان اللَّعب، الذي لا يزيد في العادة عن 6 × 14 مترًا، وعندما يتقدَّم أحد الفريقَين فيجتاز الخطَّ الفاصل إلى داخل المساحة المخصَّصة للفريق الآخر، محاولاً لمس أحد لاعبي الفريق الثاني، حيث يتحاشى أفراد هذا الفريق أن يلمس أحدهم، فتبدأ عندئذٍ المحاورة بين أفراد الفريقينِ، وكل واحد منهم يحاول لمس أحد أفراد الفريق الآخر في منطقته، فإذا استطاع لمْس أحدِهم في يده عاد مسرعًا إلى منطقة فريقه، وهو يقول بصوت عال "كَبَتْ"، بفتح الكاف والباء وسكون التاء، وهذه اللعبة تعتمد على سرعة الحركة، وليْس فيها غير المحاورة وعدم تَمكين المهاجم من الفريق الآخر لمس فرد من الفريق المواجه.

ومن الألعاب الشَّعبيَّة أيضًا لعبة:

3- "البِرْبِر":

بكسر الباء وسكون الراء في الحروف الأربعة التي تتكون منها الكلمة، وهذه اللعبة كانت تؤدَّى بالقدم اليُمْنى، ووصفها أن يتم وضع قطعة صغيرة مستديرة من الفخار في الأرض، وتوضَع حفر صغيرة معيَّنة في أماكن متفرقة من الملعب الذي لا تزيد مساحته عن 3 × 8 أمتَار، ثم يقوم اللاَّعب بدفع القطعة إلى أحد حفر الملعب بقدمه اليمنى بعد أن يرفع قدَمه اليسرى إلى الركبة ويمسكها بيده اليسرى أحيانًا، فيؤدي اللعبة بقدم واحدة وهو يحجل، حيث يسير في الملعب برجله اليمنى التي يدفع بها قطعة الفخار إلى إحدى الحفر الصَّغيرة التي في الملعب، وعليه أن يحفظ توازنه لئلاَّ يقع[2].

4 - "لعبة الكورة":

وتسمى فيما بينهم "تيس وتن تيس"، وطريقتها أن ينقسم الأطفال والأولاد قسمينِ، ثم ينصب حجر رهيف أو آجرة يقف عندها أحد القسمين، ويكون هو البادي باللعب، وكانت الكور تصنع محليًّا، وأغلب ما تكون في حجم البرتقالة الكبيرة من الجلد، تحشى بالخروق البالية أو القطن، يخطفها أحد الأولاد من القسم الذي يلي الحجر المنصوب، ضاربًا لها بإحدى يديه، فيلقفها أحد أفراد القسم الثاني، فمن يكون منهم تلقَّفها رماها على الحجر المنتصب، فإن أصابه عدَّ شوطًا من خمسة أشواط، وهي: "تيس، و"نحا"، و"بقد"، و"كلى"، وهذه الكلى يضرب فيها اللاعب الكورة برجله لتذهب بعيدًا، و"شوربة"، كل لعبة لها ثلاث ضربات إلى أن تتم خمس لعبات، فإذا أُصيبَ الحَجَر في كل لعبة ولو مرَّة واحدة من المرَّات الخمس، عدَّ الفريق الرَّامي للكورة خاسرًا، ويقولون "دخل فيه الدست"، ينتقل إلى القسم المتلقف للكرة مما يلي الحجر مغلوبًا وهكذا إلى أن يَملُّوا اللعب، وينقضي الليل فيتفرَّقوا.

5- "لعبة البرجوة":

والبرجوة قطعةُ حَجَر يكوِّرُها اللاعبُ تَكويرًا مُحْكَمًا، وتكون في حجم الليمونة البنْزَهير، أو أكبر قليلاً، وفي الوقت الحاضر أَصْبَحَتْ هذه اللعبة تُسْتَورد من الخارج، وهي على شكل حبَّات ملونة مصنوعة من الزُّجاج الملون، ولم يعد أطفال هذا الجيل يعمَلونها من الحجر، ثم يبدأ اللاعب أو اللاعبون في حفر ثلاث حفر صغيرة في الأرض، بين كل حفرة وحفرة مسافة متعارف عليها، ثم يبدأ اللاَّعب بمحاولة إسقاط البرجوة في الحفرة نبلاً من بين أصابعه، فإذا تم إدخال البرجوة في الحفر الثلاث مرَّتين ذهابًا وإيابًا عدَّ فائزًا، ويقول الأولاد عنه "شرق"، ويليه الآخر بمثل لعبه، فإن أخطأ الحفرة نبل برجوَه بعيدًا عنْها، وهكذا يتداول اللعب بين اللاَّعبين، ومن يأتي دوره ويكون قد أخطأ الحفرة في المرَّتَيْنِ وضع يده بثني الأصابع متوجِّهًا بظاهر الكف على مقربة من الحفرة معرضها لَها للنيل بالبرجوة، ويبدأ اللاعب معه أو اللاعبون بتصويب نبل البرجوة إلى يده المنصوبة، ويسمونه "الرقم"، ويكون هو من خسر اللعبة، وأكل الضرب على يده جزاء تقصيره في إدخال البرجوة في الحفر.

6- لعبة "شرعت":

وهي أن تجتمع زمرة من الأولاد وتعصب عين أحدهم ويجلس بمقربة منه أحدهم مراقبًا، ثم يتفرَّق البقية مختبئين في دهاليز الدور الكائنة في الزقاق الذي يلعبون فيه، أو خلف أي شيء يستره فإذا غاب جميعهم عن النظر أزال المراقب العصابة عن المغموم ليبدأ البحث عن المختبئين، فإن تمكَّن من القبض على واحد منهم كان هو الذي سيغمّ، وإن أمكن أن يصل جميعهم إلى مكان المراقب أعادوا غمَّه، وهكذا إلى أن تنتهي رغبتهم من اللعب، وعند فك العصابة عن المغموم يصيح المراقب "شرعت شرعت" تنبيهًا للمختبئين.

7- لعبة "الكبوش":

من الألعاب المُتَدَاوَلة بين الصغار، وهي العظام التي تأتي بين مفاصل أرجُل الأغْنام يَجمعُها الصبي ثم يختار الأكبر منها ويسمُّونه "البرسي"، يأتي اللاَّعب وزميله فيخطُّون دائرة على الأرض ويرهن كلُّ واحدٍ منهم عددًا من الكبوش بقدْر الآخر، بعد ذلك يُمسك أحدُهم "البرسيين" ثم يسقطهما إلى الأرض بعد رفْع يده بهما، فمن وقف برسيُّه على وجه متعارف من وجهي البرسي بدأ هو اللعب، ويقف الاثنان على مسافة متَّفق عليها ثم يصوب الذي فاز بالأوليَّة بالبرس صف بالكبوش المرصوصة داخل الدائرة، فإن أخرجت الضربة شيئًا منها عن الدائرة عدَّ كسبًا له، وأعيد رصّ الباقي وأخذ من قريب يضرب في الكبوش إلى أن يستأهِلَها كسبًا، وإن أخطأ ولم يستطع إخراج شَيْءٍ من الدائرة سقط حقُّه في اللعب، وبدأ الآخر في العمليَّة، وهكذا إلى أن يأتي أحدُهم على كسْب ما للآخر من كبوش وينتهي اللعِب.

8– المزويقة:

ومن الألعاب التي يُمارسونَها لعبة "المزويقة"، وهو عبارة عن قطعة من الخشب مَخروطيَّة الشَّكل في الذيل الرَّفيعِ فيه مسمار قصير ليدور عليه المدوان، وطريقة اللعب أن يلف خيط على المدوان لفًّا متلاحقَّا، ثم يحذف ليفلت من الحبل ويدور ويقع هذا بين طفليْن، أو عدَّة أطفال يتبارَوْن مَن منهم يكون مِدْوانه أسرعَ دورانًا وأطول مدَّة.

قد أكون قصرت في ذكر بعض الألعاب أو نسيت بعضها، فقد اندثر معظمُها أو كلُّها، ولم يعد لها ممارس.

 9- أمَّا اليوم فإنَّ اللعبة المفضَّلة على سائر الألعاب لعبة "كرة القدم":

يشترِك فيها الكِبار والصِّغار، وأصبح لَها من الكِبار النوادي والفرق والجماعات، واللعبة يقال: إنَّها من ابتكار الإنجليز فهي لعبة عرفت عن الغربيين، وصار لكل فريق جمهور يتحيَّز له ويصفِّق له أثناءَ لعِبِه أو فوْزِه على الفريق الآخر؛ لأنَّ المباراة تقع بين فريقَين في الأغلب، كما هو مشهور ومعروف هذه الأيام، وكثيرًا ما يقع الشجار بين جمهور المتفرجين لما يجرُّ إليه هوى المشايعة والتَّحزب لفريق دون الآخر، حتى حينما تذاع لنا في التليفزيون ويفوز فريق على الآخر يحدث ذلك بين المتفرجين، فإنَّك ترى الناس جماعات جماعات في المقاهي التي يكون بها تليفزيون، وقد صار الصغار من الأطفال يُحاكون الكبار في لعبتها في الأزقَّة، أو الأماكن الخالية، وأصبحت هي اللعبة المفضلة لدى الجميع.على أنَّ النوادي والمدارس اتَّخذت أيضًا بعض الألعاب المعروفة عن الغرب مثل: "كرة السلة"، ولعبة "التنس"، وغير ذلك من الألعاب الغربيَّة.

وقد كان مما يتلهَّى به الأطفال من وسائل التَّسلية أمثال: الدمى وغيرها، فقد كانت أم الطفل تصنع لطفلها شاخصًا على شكْل إنسان تتَّخذه من الخروق، أو الأقمِشة البالية لدى أهل البيت.

أمَّا الآن فقد أصبحت تلْهِية الطِّفْل والأولاد بلعب من مصنوعات أوربا واليابان، لُعَب تشابه ما جدَّ من وسائل الحرب وآلاته، وغير ذلك من أمثال: السيَّارات، والقطارات، والطيَّارات، والمدافع، والدبَّابات؛ كما هو مشاهد في هذه الأيَّام، وسبحان مغير الأحوال

المراجع


[1] "المدينة المنورة هذه بلادنا" لمحمد صالح البلهشي.

[2] "الحياة الاجتماعية في الولايات العربية أثناء العهد العثماني" ص 192 للدكتور/ عبداللطيف بن عبدالله بن دهيش.

مواد متعلقة

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك كل جديد لدينا