فيلم وثائقي عن المدينة
طَابَة.. البلدُ الطيِّبُ، مُهاجَرُ النبيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ومُستَقَرُّه، مدينةُ الإسلامِ الأُولى، ومَأْرِزُ الإيمانِ عندَ وقوعِ الفِتَن.
على تُرابِها مَشَى خَيرُ البَشَرِ إيمانًا وعَمَلًا وأتمُّهُمُ اتِّباعًا للهُدى، وأقوَمُهُمْ بالحقِّ النازلِ منْ عندِ الله... رسولُنا وصحبُه الكِرام.
صلاةٌ في مَسجدِها كألفِ صلاةٍ فيما سِواها إلَّا المسجدَ الحرام.. وإلَيهِ تُشَدُّ الرِّحالُ وبِجِوارِهِ يحلُو المُقام.. الخيرُ كلُّ الخيرِ لمَنْ أحسَنَ فيها الجِوار، والخاسرُ مَنْ أرادَ بها أوْ فِيها سُوءًا أو سَعَى بِضَلال.
حَرَمُهَا ما بينَ جَبَلَينِ.. مِن عَيْرٍ إلى ثَوْر ... فلا يُهْرَق دَمٌ ولا يُقطَعُ شجرٌ ولا يُقتَلُ صَيْدٌ... أمانٌ وطُمأنينةٌ للإنسانِ والشَّجَرِ والحيوان.
قديمةٌ هيَ هذهِ المدينةُ...جُذورُها ضارِبةٌ في تاريخِ الإسلامِ، الذي جاءَ وأهلُها أعداءٌ يتقاتلونَ، فألَّفَ اللهُ بينَ قُلوبِهِمْ وهداهُمْ، وجَمعَ على الحقِّ كلمتَهُمْ خلفَ رسولِنا الأمين.. صفحاتُ تاريخِها.. صفحاتُ عِزَّتِنا وسَعادَتِنا ...منذُ هاجَرَ إلَيها نبيُّنَا صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ... وهيَ نَواةُ الدَّولةِ وعاصمةُ القُلُوبِ.. إلَيْهَا تَهْوِي الأفْئِدَةُ.. وعَنْهَا تُدافِعُ السُّيوفُ... هنا ابتدَأَ تارِيخُنا، وهُنا قَوِيَتْ دَعْوتُنا، وهُنا أزهَرَتْ أيَّامُنا.
أحداثُها الكُبرَى مَناراتٌ في حَياتِنا... ففَي الخَنْدَقِ.. قَوِيَتْ الشَّوكَةُ وتحوَّلَ الضَّعفُ إلى قوَّةِ، وغَدَا المسلمونَ في المدينةِ يَغْزُونَ ولا يُغْزَون.
بَقِيَتْ عاصمةً للدولةِ أيَّامَ الخِلافةِ الراشدةِ، في عهودِ الأئمَّةِ المهديِّينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ... فلمَّا قُتِلَ أميرُ المؤمنينَ عثمانُ وتَوَلَّى الأمرَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ، تَغَيَّرَ الحالُ وانتقَلَ الحُكْمِ عَنْهَا.
وظَلَّتِ المدينةُ على تغيُّر الأحوالِ وتتابُعِ الأزمانِ مَحَطًّا للأنظارِ ومُبْتَغًى للأرواح، تَرعَاها الأعيُنُ والأكُفُّ وتفدِيهَا المُهَجُ والأَمْوالُ، وبَقِيَ مَسجِدُها مَحَلَّ الرِّعايةِ والتجديدِ والحِياطَةِ والاهتِمام.
وبِقاعُ المدينةِ ومَعالمُها ليسَتْ مجرَّدَ حِجارةٍ وتُرابٍ، بلْ هيَ أمجادٌ وتاريخ.. مآثرُ ومَلاحِم... قِصَصٌ خالدةٌ لا تَنْدَرِسُ ولو بَلِيَتِ الآثارُ وتغيَّرَ العُمران.. مَسجِدُها النَّبويُّ الأوَّلُ الذي شَعَّ منهُ النُّورُ ليَغْمُرَ جَنَباتِ الأرضِ كانَ بُنيانًا مُتواضِعًا جُدرانُهُ منَ اللَّبِن وأعمِدَتُهُ من جُذوعِ النَّخلِ وسَقفُهُ من جَرِيدِه... وبينَ جَنَباتِ هذا المسجدِ عاشَ الرعيلُ الأوَّلُ مِنْ حَمَلَةِ لِواءِ الإسلامِ، وفيهِ عُقِدَتِ الألْوِيَةُ، ومنهُ سُيِّرَتِ الجُيوشُ التي هزَّتْ عُروشَ كِسرَى وقَيصَر، وفي رِحابِهِ استُقبِلَتْ وفودُ القَبائلِ وسُفراءُ الملوكِ، وفي ساحَتهِ كانتْ تُدارُ شُؤونُ المُسلِمينِ.
والمسجدُ النبويُّ اليومَ أوسعُ منهُ إذ ذاكَ؛ فقدْ بَلَغَتْ مِساحَتُهُ 98.500 ثمانيةً وتِسعِينَ ألفًا وخَمْسَمِئةِ مترٍ مُربَّع، وقد بقيَ موضعَ عنايةِ المسلمينَ وولاةِ أمورِهِم على مَرِّ الزَّمان. وعلى مَسافَةٍ ليسَتْ بعيدةً يُقابِلُكَ مسجدٌ آخرُ أصغرُ حجمًا، كانَ رسولُنا يأتِيهِ كلَّ سَبتٍ فيُصلِّي فيهِ، إنَّه مَسجِدُ قُباء ... أوَّلُ مسجدٍ في الإسلام.
وفي جنوبِ شَرقيِّ المسجدِ النَّبويِّ، تَقَعُ مَقْبرةُ البَقِيعِ الشَّهيرةُ، حيثُ يرقُدُ جَمْعٌ من المسلمينَ الأوائل، من المهاجِرِينَ والأنصار، كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ كثيرًا ما يَزورُها ويدعُو لأصحابِها.
وهناكَ في أحدِ جَنَبَاتِ المدِينَةِ يَلْقَاكَ جَبَلُهَا الأشهرُ، الجبلُ الذي يُحبُّ نبيَّنَا ويحبُّه نبيُّنا صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم، بين يدَيْ هذا الجَبَلِ الحَبيبِ وقعَتْ معركةٌ من أشهرِ معاركِ الإسلامِ، معركةٌ ابتُلِيَ المسلمونَ فيهَا ابتلاءً شديدًا، ومَسَّهُمُ القَرْحُ.. إنَّه جبلُ أُحُدٍ الأشمُّ، يبعدُ أُحُدٌ عنِ المسجدِ النبويِّ أربعةَ كِيلومِتراتٍ، وإلى جانبِ أُحُدٍ مَقبَرَةٌ يَرْقُدُ فيها كَوكَبةٌ من خِيرَةِ الصَّحْبِ الكِرامِ قَضَوْا نَحْبَهُمْ في تلكَ الغزوةِ، رضيَ اللهُ عنهُمْ.
فيا أيُّها المحِبُّ لرسولِ الله يا مَنْ تَودُّ أنْ لو كُنتَ صَحِبتَهُ وجالَسْتَهُ ونَهلْتَ من عَذْبِ شَمائلِهِ، هذهِ طابَةُ الطيِّبةُ مُهَاجَرُهُ ومُستَقَرُّهُ، زُرْهَا وتَجوَّلْ في جَنَباتِها وامْلأَ عَينَيكَ من جَمالِها والْتَمِسِ العِبَرَ والعِظَاتِ..
يا أهلَ طَيبةَ طابَ العَيشُ بينَكُمُ ** جاوَرْتُمُ خَيرَ مَبعُوثٍ إلى الأُمَمِ
عايَنْتُمُ جَنَّةَ الفِردَوْسِ منْ كَثَبٍ ** في مَهبِطِ الوَحْيِ والآياتِ والحِكَمِ
زادَها اللهُ طِيبًا وشَرَفًا.. وطُوبَى لمَنْ رَزَقَهُ اللهُ ذلكَ الجِوارَ الكَرِيم!